تشهد منظومة الحبوب في تونس خلال الموسم الفلاحي الحالي ارتفاعًا ملحوظًا في الإنتاج، إلى جانب انطلاق مبكر لعمليات تأمين البذور الممتازة استعدادًا للموسم القادم.
وتهدف هذه الخطوات الى تقليص التوريد الخارجي وتحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي، رغم استمرار تحديات هيكلية، خصوصا على مستوى التخزين والتوزيع، في وقت تعمل فيه وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري على تعزيز قدرة المنظومة الفلاحية لتحقيق استقرار غذائي مستدام.
وقد بلغت كميات الحبوب المجمعة، وفق بيانات ديوان الحبوب، حتى 26 جوان الجاري حوالي 7.1 ملايين قنطار، فيما تُقدّر الصابة الوطنية لهذا الموسم بنحو 18 مليون قنطار، وهو رقم يُعدّ من بين الأعلى خلال السنوات الأخيرة. ويُعزى هذا التحسن إلى عدة عوامل من بينها تحسّن الظروف المناخية خلال فترات الزراعة، وتوسيع المساحات المزروعة، إضافة إلى تكثيف عمليات الإرشاد الفني التي أسهمت في تحسين مردودية الإنتاج.
في المقابل يضع هذا الارتفاع في الكميات المنتجة المنظومة اللوجستية أمام اختبارات حقيقية. إذ لا تتجاوز طاقة التخزين الوطنية 8.5 ملايين قنطار، ما يُثير مخاوف من تراجع جودة الصابة نتيجة الاكتظاظ والتأخر في عمليات التجميع والنقل. كما يُعاني القطاع من تفاوت كبير في البنية التحتية بين الجهات، وهو ما يُؤثر على نسق التزويد بالمطاحن ويُربك سير الدورة التجارية.
في خضمّ هذه المعطيات، اعتبر رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، معز زغدان، أن صابة هذا العام قد تُغطّي نحو 60 بالمائة من الحاجيات الوطنية، وهي نسبة تُعدّ إيجابية مقارنة بمواسم سابقة لم تتجاوز فيها التغطية 30 بالمائة. ودعا زغدان إلى تعبئة ميدانية شاملة لتسريع عمليات التجميع وتجاوز الصعوبات اللوجستية، مشيرًا إلى تسجيل أداء جيد في ولايات مثل باجة وبنزرت، مقابل تأخر ملحوظ في ولايات أخرى يستوجب تدخّلًا عاجلًا من الجهات المعنية.
وتشير التقديرات الرسمية إلى توفّر نحو 500 ألف قنطار من البذور الممتازة، أي ما يقارب ضعف الكمية المتوفرة خلال الموسم الماضي. وقد بلغت الكميات المجمعة إلى غاية 27 جوان الجاري أكثر من 150 ألف قنطار، وسط توقعات ببلوغ الهدف بالكامل قبل انطلاق موسم البذر، بما يُمثّل خطوة استراتيجية لتحسين جودة الإنتاج والرفع من مردوديته.
وفي هذا السياق، يبرز دور البحث العلمي الوطني، حيث تعمل الوزارة على دعم الأصناف المحلية المستنبطة من قبل المعهد الوطني للبحوث الزراعية. ومن أبرز هذه الأصناف القمح الصلب “معالي”، الذي يغطي أكثر من 40 بالمائة من المساحات المبذورة، إلى جانب أصناف أخرى مثل “ذهبي”، “كنوز” و”سليم”، المعروفة بقدرتها على مقاومة الأمراض وتحقيق إنتاجية عالية في ظروف مناخية متغيرة.
ولتأمين جودة المنتوج، تم تفعيل شبكة وطنية تضم 27 مخبرًا مختصًا في تعيير الحبوب، موزعة بين القطاع العمومي والتعاونيات والمجمّعين الخواص. وتُعنى هذه المخابر بتوحيد معايير التصنيف وتعزيز الشفافية في التسعير، بما يُقلّص من الفاقد ويُحقق عدالة أكبر في المعاملات التجارية بين الفلاحين والمجمّعين.
في المقابل، يظل الاستهلاك الداخلي من مشتقات القمح في مستويات مرتفعة، حيث يبلغ المعدل السنوي للفرد التونسي حوالي 170 كلغ، أي أكثر من ضعف المعدل العالمي البالغ 70 كلغ. هذا الواقع يُحتّم، بحسب المختصين، مراجعة السياسات الاستهلاكية والغذائية من خلال حملات توعوية وتشجيع التنويع الغذائي لتخفيف الضغط على منظومة الحبوب.
وفي سياق الجهود المبذولة لتأمين الموسم الفلاحي، كان رئيس الجمهورية قيس سعيّد، قد أكد خلال استقباله وزير الدفاع الوطني خالد السهيلي يوم 2 جوان 2025، على الدور الحيوي الذي تضطلع به القوات المسلحة في معاضدة مجهود الدولة.
وشدّد على استعداد الجيش الوطني للمساهمة في تأمين صابة الحبوب وتوفير فضاءات إضافية للتخزين عند الحاجة، إلى جانب دوره في مكافحة الجوائح والإشراف على عدد من المشاريع التنموية في مختلف الجهات.
وتُجمع مختلف الأطراف على أن تحقيق منظومة إنتاج غذائي مستدام يظل رهين إصلاحات هيكلية تشمل تطوير سلاسل القيمة، وتكثيف الاستثمار في البحث الزراعي، وتوسيع الاعتماد على البذور الممتازة، بما يُعزّز قدرة البلاد على الصمود أمام الأزمات وتقليص التبعية للأسواق الخارجية.