الحضانة المشتركة من أجل تعزيز المصلحة الفضلى للأبناء بعد الطلاق

تعمل الجهات الرسمية وعدد من المنظمات المدنية في تونس على إيجاد حلول قانونية للخلافات الأسرية خاصة الناجمة عن قضايا الطلاق، والتي غالباً ما تدفع المطلقين إلى خصومات قضائية تؤثر سلبا في المصلحة الفضلى للأطفال واستقرارهم وتوازنهم النفسي

كان مجلس وزاري مضيّق انعقد في فيفري 2025 للنظر في مشروع حول سبل دعم وتحقيق مقوّمات التماسك الأسري، وفق رؤية تشاركية تأخذ بعين الاعتبار التّغيرات المجتمعيّة والتّحوّلات الدّيمغرافيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة التي تشهدها الأسرة في الوقت الراهن

يرتكز المشروع، حسب معطيات تحصلت عليها وكالة تونس إفريقيا للأنباء، على أربعة محاور كبرى، من بينها تطوير المنظومة التشريعيّة ذات العلاقة بالأسرة وحماية أفرادها من تبعات الخلافات والطّلاق، عبر وضع إطار قانوني جديد لنظام النّفقة وجراية الطّلاق وبعث خطة الموفّق الأسري التي توكل لها مهمّة التوفيق والوساطة لحلّ النزاعات الأسرية وتقريب وجهات النظر بين أطراف الخلاف خلال فترة التقاضي وبعدها قصد تقليل التداعيات السلبيّة على أفراد الأسرة، وخاصة الأبناء

ومن أجل تكثيف المشاورات حول صياغة المشروع، نظمت وزارة الأسرة يومين دراسيين في أفريل 2025 بمشاركة مسؤولين من وزارات معنية، قضاة الأسرة، مندوبي حماية الطفولة، خبراء وباحثين، إضافة إلى منظمات وجمعيات. وتناول النقاش موضوعات مثل جراية الطلاق والعقوبات البديلة، التغطية الصحية للزوجات أو المطلقات، التوفيق الأسري كآلية جديدة، وطفل الطلاق والجرح الأبوي بين فلسفة التربية وحكم القانون، وأسفرت الورشات عن توصيات ومقترحات عملية

في هذا الإطار، طرحت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط تصوراً جديداً للحضانة المشتركة بين الزوجين المطلقين أو في مرحلة الانفصال، مقترحة سنّ قانون للحضانة المشتركة يكون بشروط واضحة وبتفاهم بين الأب والأم

أفادت رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط، ريم بالخذيري، أن مشروع قانون الحضانة المشتركة يهدف إلى تحويل الطلاق من ظاهرة سلبية على الأبناء إلى واقع يتعايشون معه دون أن يتحمّلوا آثاره، ضماناً لمصلحة الطفل الفضلى ولتماسك الأسرة

وأكدت أن القانون الحالي للحضانة في تونس لم يشهد تعديلاً منذ 12 جويلية 1993، حيث يمنح الحضانة للأم بصفة آلية (عدا الاستثناءات الخاصة)، ما يضعف دور الأب ويرهق الأم بالمسؤولية. وأشارت إلى أن ذلك ينعكس سلباً على الأطفال من خلال اضطرابات نفسية، صعوبات اندماج مدرسي واجتماعي، وتنامي الشعور بالتمرد والحقد، وصولاً إلى الانحراف نحو الجريمة والعنف

كما أوضحت أن القانون الحالي يمكّن الأب في أغلب الأحيان من رؤية أبنائه فقط لساعات محدودة يوم الأحد، مما يقزّم دوره ويجعله عاجزاً عن الرعاية والتربية، رغم تحمّله أعباء النفقة والسكن

وشدّدت بالخذيري على أن مبدأ الحضانة المشتركة معمول به في عدة دول، ويهدف إلى منح الطفل التوازن النفسي المطلوب عبر العيش مع والديه حتى بعد الطلاق، وضمان مشاركة الأب في تربية أبنائه ورعايتهم، وعدم اختزال دوره في الإنفاق فقط

شروط الحضانة المشتركة

ينص المقترح، الذي استند إلى آراء مختصين، على أن يكون كل من الأب والأم يعملان ومستقلان بمسكن و تتوفر لديهما الظروف المادية والنفسية الكافية لاحتضان الطفل و يلتزم الوالدان بتخصيص وقت كافٍ لرعاية الطفل وتوفير متطلباته. تبدأ الحضانة المشتركة منذ سن 3 سنوات، بالتناوب (أسبوعياً أو نصف شهرياً).

و تشير بيانات المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط إلى أن عدد حالات الطلاق في تونس بلغ سنة 2023 حوالي 35 ألف حالة، وهو رقم قياسي مقارنة بالأعوام السابقة، مما أثار مخاوف من انعكاسات عميقة على الأسرة والمجتمع، خصوصاً الأطفال.

وفي تصريحات سابقة، أفادت القاضية والباحثة بوزارة العدل روان بن رقية أن عدد أطفال الطلاق في تونس بلغ بين جانفي 2023 وديسمبر 2024 حوالي 600 ألف طفل، بينهم 104 حالة انتحار بسبب التفكك الأسري.

كما بلغ عدد الإشعارات عن الاختلالات داخل الأسرة سنة 2022 حوالي 22 ألف إشعار، منها 13 ألف إشعار يخص أطفالاً يعيشون تهديداً مباشراً في البيت.

من جانبه، دعا رئيس جمعية أطفال تونس، رفيق نور بن كيلاني، إلى ضرورة سنّ تشريعات جديدة وتحديد مفهوم التربية الصحيحة والجيدة، واعتماد حلول شمولية تعالج القصور الوظيفي للأسرة. واعتبر أن الحضانة المشتركة والعلاقة المتواصلة بين أطراف الأسرة تمثلان الأساس الفعلي لبناء متوازن يقطع مع القصور العاطفي.

تجدر الإشارة إلى أن آخر تعديل لفصول مجلة الأحوال الشخصية المتعلقة بقانون الطلاق والحضانة والنفقة يعود إلى جويلية 1993، أي منذ أكثر من 30 عاماً.

 

عن Radio RM FM

شاهد أيضاً

العدوان الصهيوني على غزة : قصف 12 منشأة تابعة لوكالة الأونروا

 أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا), اليوم الثلاثاء, أن 12 منشأة تابعة لها في …